بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على عبدِه الأمين خاتمِ النبيِّين، سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المَيامِين، وتابعِيهم بالصدقِ والمحبَّةِ واليَقينِ إلى يومِ الدين، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين، وآلِهم وصحبِهم والتابعين، وعلى الملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنَّه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.
أما بعد.. فإلى أحبابِنا في الله وإخوانِنا، والأعوانِ على الحقِّ والهدى: نرفعُ كلمةَ شَهرِ رجبٍ مِن العام الثاني والأربعين بعد الأربع مائة والألف مِن هجرةِ حبيبِ الرحمنِ المصطفى الأمين سيدِنا محمدٍ سيد المرسلين صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم، ونقول:
يَجِبُ ويتأكَّدُ علَينا ويَتحَتَّم أن نَستَبعِثَ مِن قلوبِنا حقائقَ التَّعظيمِ للحقِّ ولرسولِهِ، واستبيانِ عظمَةِ ارتِباطِنا بهذا النبيِّ وانتمائنا لقيادتِه، وتحكُّمِنا لسُنَّتِهِ وشريعتِه ودعوتِه ومنهجِه صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم، وأن نُدرِكَ ونَستَشعِرَ يَقِينَاً أنَّ الفخرَ والعِزَّ والشرفَ لنا بهذهِ التبعيَّة وبهذا الانتماءِ لهذا الحبيبِ الأسمَى صلى الله عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم صاحِبِ الإسراء والمعراج.
ومِن تعظيمِنا للحقِّ ولرسولِهِ وإدراكِ عظمَةِ انتمائنا التي تتضاءلُ أمامَها مكانةُ الانتماءاتِ المختلفةِ في الفكرِ والسلوكِ الواقعةِ في العالم، الانتماءاتُ لكلِّ الأفرادِ ولكلِّ الهيئاتِ والجماعاتِ والدولِ والشعوبِ تتضاءلُ مكانتُها أمامَ هذهِ المكانةِ الرفيعة. بل عندَ إدراكِنا لمَكانةِ انتمائنا لهذا الحبيبِ صلى الله عليه وسلم إيماناً بالله وتصديقاً برسولِه صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبه وسلَّم لا تكونُ أيَّةُ مكانةٍ لبقيَّةِ هذه الاتصالاتِ والانتماءاتِ والتبعيَّات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وكُلُّ ذلك يُوجِبُ علينا حُسنَ النظرِ في أخبارِ الإسراءِ والمعراج، ومُشاهدَاتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي أشهدَه اللهُ إيَّاها في تلكَ الليلة فيما يتعلَّقُ بشأنِنا نحن، وبأعمالِنا نحن، وبمَسعانا في هذه الحياة، وبحركتِنا فيها؛ فكانتِ المشاهداتُ الكثيرةُ لنتائجِ أحوالِنا مع الصلاة، لنتائجِ أحوالِنا مع الأمانة، ولنتائجِ أحوالِنا مع القولِ واللسان، ولنتائجِ القيامِ بالجهادِ في سبيلِ الله تبارك وتعالى.. إلى غيرِ ذلك مِن المشاهدِ العظيمة.
وأن نَستَبعِثَ الزيادةَ في قلوبِنا مِن تعظيمِ الفرائضِ التي جاء بها عن اللهِ تباركَ وتعالى؛ لنجعلَ مِن أيامِنا في رجب وما بعدَها قوَّةَ حرصٍ على السُّنَنِ في صلواتِنا المفروضة، ثم في النوافل، مِن إحسانِ الوضوء، ومِن إحضارِ السِّواك، ومِن الحرصِ على الجماعة، ومِن الحرصِ أن تكونَ في المسجد، والحرص أن تكونَ صلواتُنا في الصفِّ الأول، ومِن حضورِ القلب فيها، ومِن زيادةِ الحرصِ على السُّنَنِ النبويَّة فيما قبلَ الصلاة وفي أثناء الصلاة وفيما بعدَ الصلاة.
كلُّ ذلك يَتتوَّج بتَاجِ تحقُّقِنَا بالاستغفار، وطلبِ المغفرةِ مِن الكريمِ الغفارِ جَلَّ جلاله وتعالى في علاه؛ استشعاراً مِنَّا بتقصيرِنا، وعظَمَةِ المخالفةِ للأوامرِ الإلهيَّة، وخطر عمل النواهي ، وعمل ما حَرَّم الحقُّ علينا ورسولُه، وما كَرِهَه الحقُّ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فحن بحاجةٍ قويَّةٍ شديدةٍ إلى طلبِ الغُفرانِ مِن الحقِّ، وإلى تَجاوُزِه عنَّا ومُسامحتِه إيَّانا، ويتضمَّن ذلك اعترافَنا بما كان مِنَّا؛ متَّصلاً بسرِّ: (أبوءُ لكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذنبِي، فاغفِر لي فإنَّه لا يَغفرُ الذنوبَ إلا أنت).
وكُلُّ ذلك الذي ذكرناهُ مِن استِبعاثِ هذا التعظيم، ومِن شهودِ عظمةِ المرجعيَّة لنا، ومِن تأمُّلِنا لِبَلاغاتِه ونتائجِ مشاهداتِه في واقعِنا، وإقامةِ مُقتَضاها في شأنِنا وشأنِ أهلِ بيوتِنا وشأنِ أولادِنا وتَذاكُرِنا معهم فيها، ثم استغفارُ وطلبُ المغفرةِ مِن الله.. كلُّ ذلك الذي ذكرناه نتسبُّبُ به لــِصلاحِ الأمة، ولكَشفِ الغُمَّةِ، ودفعِ الأوبئةِ والفيروسات الضارَّةِ الباطنةِ والظاهرة، وجَمعِ الشَّملِ بعدَ الشَّتات، وظهورِ الدينِ في جميعِ الجهات.
فلنَمضِ على ذاكَ السبيلِ، حتى ندركَ خيرَ جِيل، وتثبُت مِنَّا الأقدامُ على حُسنِ متابعةٍ في النيَّةِ والفعلِ والقِيل، ونُسقَى مِن أحلَى سلسبيل، ونرقَى إلى المَقامِ الجَليل.
نظرَ اللهُ إلينا وفرَّجَ كروبَنا والأمةَ، وكشفَ عنَّا وعنهم كُلَّ غُمَّة، وجعلَ شهرَ رجبٍ وما يليهِ أشهرَ فرجٍ للمسلمين وغياثٍ عاجلٍ ولُطفٍ شامل، إنه أكرمُ الأكرمِين وأرحمُ الراحمين.. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.