الحَمدُ للهِ مُطَوِّرِ الأطوَار، ومُرَقِّي أهلَ الوجهةِ إليه إلى المراتبِ الكبار، يولجُ النهارَ في اللَّيلِ ويولجُ اللَّيلَ في النهار، ونشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ الواحِدُ الكَرِيمُ الغفَّار، الذي لم يَزَل غيثُ فضلِهِ على أهلِ الوِجهَةِ إليه مِدْرَار، ونشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيننا ونورَ قلوبِنا محمَّداً عبدُه ورسولُه، ونبيُّه المختار، خَتَمَ به النبيِّين، وجعلَه سيِّدَ المرسلين، وأرسلَه رحمةً للعالمين، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ وكرَّمَ عليه وعلى آلِه وأهلِ بيتِه الطاهرين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين، وعلى مَن والاهم في الله وتَبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين وآلهِم وصحبِهم والتابعين، وعلى الملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنهُ أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.
أمَّا بعد.. فإلى إخوانِنا وأحبابنا في الله تبارك وتعالى: نُقَدِّمُ كلمةَ شهرِ ربيعِ الأول للعامِ الثالث والأربعين بعد الأربع مائة والألف مِن هجرةِ الحبيبِ الأعظم صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم.. ونقول:
يجبُ أن نعملَ على النَّظَرِ في العلاقةِ بيننا وبينَ سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم؛ والارتقاء والانتقالِ مِن الإيمانِ المجرَّدِ إلى الوَجْدِ والتَّحقُّقِ والذَّوقِ معنى إيمانِنا أنَّه رسولُ الله، وأنَّه خاتمُ النبيِّين، وأنه أفضلُ الخلائقِ عند الخالقِ رَبِّ العالمين، وأن نتجاوزَ التَّصدِيقَ المجردَ بذلك واليقينَ المجردَ به إلى ذوقِ حقائقِه وغَلَبَةِ استِشعارِها بِبَواطنِنَا وأحاسيسِنَا، ونُتَابِعُ شأنَ علاقتِنا بهذا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم في شؤونِ محبَّتِنا له، وكيف تَغلُبُ على الوجدانِ والمشاعرِ وتأخذُ بكُلِّ الفِكرِ والوِجهة، ونرقَى في مَرَاقِيهَا، ونَشرَبُ مِن سواقيها، ونُشَارِكُ في الاستزادةِ منها والتَّحَقُّقِ بحقائقِها والتَّمَكُّنِ فيها لأهليها وذويها.
وفي إيمانِنا وتصديقِنا بأنه تُعرَضُ أعمالُنا عليه، وأنه يسمعُ سلامَ المُسَلِّمِ عليه أو يُبَلَّغُه فيرُدُّ السلامَ، صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يَجِبُ أن نَعمَلَ على أن نرقَى في هذا الإيمانِ والتصديقِ إلى ذوقٍ ووجدانٍ، فكأننا نسمعُه ونُعايِنُه، حتى ينفتحَ لنا بابُ أن نَسمَعَ ونُعَايِنَ بأنوارِ البصائرِ ونُشَاهِدَ بأَعيُنِ السَّرَائر.
فيَجِبُ أن نَغْنَمَ ربيعَ الأول في طَلَبِ هذا التَّرَقِّي والاعتلاءِ في شأنِ علاقتِنا بحبيبِ اللهِ المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكذلك تعليقُ قلوبِ أهلِينا وأولادِنا وأحبابِنا ومُجالسينا به صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم مِن حيثُ أحبَّ اللهُ مِنَّا أن نُنزِلَه منزلتَه العظيمةَ في عظيمِ عبُودِيَّتِهِ لله، ومَحبوبيَّتِهِ عند الله، وتَفضِيلِ الحَقِّ له على مَن سواه، صلى الله عليه وآله وصحبِه وسلَّم.
ولِنَتَسَبَّب لذلك باستِبعاثِ معاني التَّعظيمِ والشوقِ والمحبة، مع كثرةِ الصلاةِ والسلامِ عليه، وحضورِ المجالسِ التي يُقرأ فيها مولدُه وشمائلُه وسيرتُه، وقراءةُ نصيبٍ مِن أخباره وسِيَرِهِ وشمائلِه لنا ولأهلينا وأولادِنا، وعَقدِنا مجالسَ لذكرِه في غُرَفِنا ومساكنِنا، ولنقرأ أحوالَ الصحابة معَه وخواصِّ المحبِّين مِن أمَّتِه عبرَ القرون، ونطَّلع على ما استَطعنا مِن ذلك ونعمل على مقتضاهُ أيضا..
هيَّأنا الله وإياكم لكمالِ القُربِ منه ومِن حبيبِه المصطفى، وقَوَّى علاقتَنا به في كُلِّ نَفَسٍ ولَمحَةٍ، وجعلها تقوى وتزدادُ وتتعمَّقُ أبدًا سَرْمَدَا، في خيرٍ ولطفٍ وعافيةٍ ويقينٍ وتَمكينٍ مَكينٍ، وأصلحَ شؤونَ أمَّتِه وفرَّجَ كروبَهم. ووفَّقنا لحُسنِ التَّسَبُّبِ لِمَا ذكرنا.
ومِن أقوى الأسباب: تَفَقُّدِ ذوي الحاجة من أُمَّتِهِ، بإغاثةِ ملهوفٍ، وتفريجِ كربةِ مكروبٍ، وإدخالِ السرورِ على قلبِ حزينٍ، فلنَعمَل على ذلك سالكينَ أشرفَ المسالك.
جعلَ اللهُ ربيعَ الأولَ هذا مِن أبركِ الشهورِ علينا وعلى الأمَّة، وفتحَ فيه أبوابَ الفَرجِ للمسلمين والغياث، وجمعَ شملَهم إنه أكرمُ الأكرمين.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على سيِّدِنا مُحمَّدٍ مِفتاحِ بابِ رَحْمَتِك، وسَيِّدِ أهلِ مَحَبَّتِك، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وأهلِ نُبُوَّتِك، وتابعِيهم وملائِكَتِك، وجميعِ الصالحينَ مِن بَريَّتِك، عددَ عِلمِكَ، واغفِرْ وأغِثْ وفَرِّجْ بِفَضْلِكَ ومِنَّتِك.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
العَبْدُ الأقل/ عُمَر بن محمَّد بن سالم بن حفيظ بن الشيخ أبي بكر بن سالم..
ليلة السبت ليلة الثالث من شهر ربيعٍ الأول مِن عام الثالث والأربعين بعد الأربعِ مائة والألف من هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.