الحمدُ للهِ المُوفِّق، وصلَّى الله وسلَّمَ وبارَكَ وكرَّمَ على عبدِه الرَّحيمِ المُشفِق، سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وكلِّ عارفٍ محقِّق، ومَن والاهُم في اللهِ مِن كلِّ مؤمنٍ مُصدِّق، وعلى آبائه وإخوانهِ مِن الأنبياءِ والمرسلين الذين جعلَ اللهُ نورَ الهدى عنهم مُنبثِق، وعلى آلهِم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنَّه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.
أما بعد، فإلى إخوانِنا وأحبابِنا في اللهِ تبارك وتعالى نوجِّهُ كلمةَ شهرِ جُمادى الثانية مِن العامِ الثاني والأربعين بعدَ الأربع مائة والألف مِن هجرةِ حبيبِ الرحمنِ سيدِ المرسلين صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم.
ونقول: إنَّنا في انتِمائنا لدينِ الله تعالى وتبعيَّتِنا لمَن جعله اللهُ المقتدَى المَتبوعَ صلى الله عليه وعلى وآلِه وصحبِه وسلم، نحتاجُ إلى إقامةِ ميزانِ الاستحسانِ حتى لا نستحسنَ إلا ما هو حَسَنٌ عند الإلهِ الحقِّ جَلَّ جلاله ورسولِه المصطفى جَدِّ الحسين والحسن.
فإنَّه تدخلُ مداخلُ على الأذهانِ والعقولِ والمشاعرِ والأحاسيسِ فتنحرِفُ بها عن المَنهجِ القويمِ وعن صِحَّةِ التأسيسِ بتدليسٍ وتلبيسٍ، فيحصلُ به تَفَلُّتٌ عن الحَقِّ القَويمِ والصراطِ المستقيم، وتَلَفُّتٌ إلى كُلِّ سيءٍ وذميمٍ؛ وذلك أنه يَنهَالُ على ذهنِ الإنسانِ ومشاعرِهِ في خِضَمِّ حركةِ الحياةِ بما فيها مِن تيَّاراتٍ ودعواتٍ سُفليَّةٍ، خصوصاً فيما يتعلَّقُ بجانب الِّلباس والزينة، وبجانبِ الأغاني وآلاتِها، وما يتعلَّقُ أيضا بجانبِ التَّفَرُّجِ على المنشوراتِ مِن مرئيَّاتٍ ومسموعاتٍ.
فيبدأُ الخَلَلُ باستحسانِ أمرٍ سَيءٍ وقبيحٍ، وتميلُ إليه النفس؛ إما بدعوى مراعاةِ دعوةِ ذا أو جَبرِ خاطرِ ذا، أو سرورِ قلبِ ابنٍ أو بنتٍ أو صَديقٍ وما إلى ذلك، أحَبَّ ذلك الأمرَ الذي ليس له في الحُسْنِ مجالٌ عند الله وعند رسولِه، ولو لم يحمل سوءً مَحْضاً ومعصيةً بيِّنَةً فإنَّ أقَلَّ ما فيه أنَّه يحملُ فتْحَاً لثغراتٍ تقودُ أصحابَها وتسوقُهم إلى اقتحامِ السيِّء والقبيحِ المَحض.
لذلك كلِّه كان في حكمةِ العُقلاء مِن أخيارِ الأُمَّة حُسْنُ التَّحكُّمِ بنُورانيَّةِ الصدقِ والتبعيَّةِ والاقتداء والاهتداء، وحسنِ التحكُّمِ في ما يعتادونَه وما ينطلقُ فيه أبناؤهم وبناتُهم ورجالُهم ونساؤهم، مِن شؤونِ الغِنَاءِ وما تعلَّقَ به، ومِن شؤون الِّلباسِ والزِّينةِ وما تعلَّقَ بها، ومِن شؤونِ إطلاقِ البَصَرِ والأُذنِ في النَّظَرِ والاستماع، ويحرصون أن يَسُدُّوا ثغراتِ سُوء، ويُغلِقوا أبوابَ التَّشَبُّهِ بالمُترَفِين فضلاً عن المفسدين، وبالزاهدينَ في السُّنَنِ فضلاً عن الراغبين في المكروهات، فضلاً عن الواقعين في الحرام. وكلُّ ذلك مِن حُسْنِ التَّقوَى والحُلُولِ في حِصْنِها، وكُلُّ ذلك مِن حُسنِ نَظَرٍ في المآلاتِ، ووَضعِ حواجزَ دون المكروهات والمحرَّمات، وللمحافظةِ على هُوِيَّة الإيمان، وذاتيَّةِ حقائقِ الإسلام، وحسنِ الاقتداءِ بنبيِّ الهدى، يتحكَّم ذلك حتى في كثيرٍ مِن عاداتِهم بل في تَناوُلِهم أيضا للمباحات.
فلنُعطِ الأمرَ حَقَّه، ولنواصِل استِتمامَ تَحَرُّرِنَا مِن التبعيَّةِ لغيرِ المتبوعِ المختارِ من قِبَلِ الرحمن والمُنتَخَبِ من قِبَلِ المَلِكِ الديَّان، وهو محمدٌ وآلُه وصحابتُه، وورثتُه مِن خيارِ أُمَّتِهِ ممَّن أنابَ إلى اللهِ مِن الصادقين.
فليكنِ الكلامُ مِنَّا على بَالِ، ولِنُقِم في هذا المجالِ تبعيَّةً تَرفَعُ رايةَ ولواءَ التحرُّرِ مِن الاستِتباعِ للرُّعَاعِ، ومِن السماحِ لشبكاتِ السوءِ والقانِصَاتِ إلى الحَضِيضِ والتَسَفُّل أن تحومَ حَوْلَ دِيَارِنا وأشخاصِنا وعاداتِنا وأعرافِنا وأبنائنا وبناتِنا.
وقد نحتاجُ في كلِّ ذلك إلى حُسنِ تأمُّلٍ وتدبُّر، وحُسنِ عَرْضٍ وتَبيِينٍ، وقد نحتاجُ معه إلى نصيبٍ مِن الحَزْمِ وقوَّةِ الانتباهِ، مع تقديمِ حُسنِ الاقناعِ والتَّبيينِ والتوضيح، وعرضِ البدائلِ الحَسَنَةِ الطيبةِ التي لا تحومُ حولَها الشُّبهات في مختلفِ العادات ومختلفِ ما تميلُ إليه النفسُ أيضا، فهناك بدائلُ حسنةٌ في كُلِّ ما ذكرنا، لباساً واستماعاً ونظَرَاً وما تعلَّقَ بذلك، بدائلُ حَسَنَةٌ طَيِّبةٌ يمكنُ أن يَمْتَدَّ جَمالُها إلى مُلائمةٍ للفِطرةِ وكُلِّ ذي بَقِيَّةٍ مِن الإيمانِ والخَيْرِيَّة.
شرحَ اللهُ صدورَنا ونوَّرَ قلوبَنا، وأقام حقائقَ شرفِ التبعيَّةِ العُظمَى والتَّحَرُّرِ التامِّ مِن التَّبعيَّة السُّفلى، في جميعِ أحوالِنا وشؤونِنا، لنا وأهلينا وأولادِنا وذَوِينا، وباللهِ التوفيق وهو المُستعان، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. وصلى الله على المصطفى محمد وآله وصحبه ومَن سَارَ في دربه، وجعلَنا منهم.